عصام حشيش والبركة المنزوعة
د. صلاح عـز
كنت أنوي الكتابة اليوم عن حسني مبارك وفؤاد السنيورة ، الرئيس "فاقد الشرعية" للحكومة اللبنانية ، كوجهين لعملة واحدة في سوق الظلم والإستكبار. لكني إخترت تأجيل هذا الموضوع بعد مطالعتي لصورتي عصام حشيش وهاني هلال (مع حفظ الألقاب) في عدد السبت الماضي (وكل منهما زميل في كلية الهندسة جامعة القاهرة) مع رسالة من الأخت الكريمة زوجة حشيش تشكو فيها ما وقع عليها وعلى أبنائها وأحفادها من ظلم وعدوان.
لقد بدأت معرفتي بعصام حشيش منذ عشرين عاما بعد عودتي من الولايات المتحدة عندما إتصل بي طالبا ترشيح نفسي على قائمة التيار الإسلامي في إنتخابات نقابة المهندسين ، وبعدها طلب مني ترشيح نفسي لعضوية مجلس إدارة نادي هيئة التدريس في إنتخابات النادي . ومن خلال عضويتي في النقابة والنادي توطدت علاقتي بحشيش وبنخبة كبيرة من الإسلاميين إخوان وغير إخوان. ومن بين كل الصداقات التي كونتها خلال هذين العقدين ، كان حشيش هو دائما الأحب إلى نفسي والأقرب إلى قلبي. وعلى المستوى الإنساني لا أظن أن هناك من لم يتأثر به ، فهو المحبوب من طلابه وزملائه وإخوانه ، وهو السمح البشوش مع مخالفيه والذي لم أراه يوما غاضبا حتى عندما كنت أشكو له تصرفات غير لائقة كنت أراها من بعض (الإخوان) في النقابة. ولذا كنت كلما قرأت خبرا عن إعتـقالات في صفوف الإخوان ، أمر بسرعة على الأسماء خوفا من أن يكون حشيش مدرج في القائمة ، وهو ما جرى أخيرا على خلفية الضوضاء التي إفتعلتها جماعة من الأفاقين في الصحف "القومية" وجدوا فيما جرى من طلبة الإخوان في جامعة الأزهر فرصة للإصطياد في الماء العكر. صحيح أن هناك من أقلقه سلوك الطلبة الأحمق باستعراض مهاراتهم القتالية ، وأعرب عن قلقه بموضوعية ، إلا أن غالبية من تناولوا هذه المسألة رأوا فيها فرصة لضرب عدة عصافير بحجر واحد : تـنفيس أحقادهم ضد الإسلاميين وإرضاء الحاكم ونفاقه وإقصاء أقوى الخصوم السياسيين ، وبالتالي تمهيد الأرض لتوريث سلس. وهؤلاء (جنود فرعون) يتحملون المسئولية الأكبر فيما جرى لحشيش وزملائه المعتـقلين وزوجاتهم وأطفالهم وأحبائهم.
أما هاني هلال ، فلم تكن معرفتي به وثيقة كمعرفتي بحشيش ولكني أعرف عنه سيرته الحسنة وإخلاصه لعمله ، وخدماته التي قدمها للجالية المصرية في فرنسا عندما كان منذ سنوات قليلة ملحقا ثـقافيا بالسفارة المصرية في باريس. ولذا أحسست بالإشفاق عليه عندما علمت بنبأ تعيينه وزيرا في حكومة حزب مبارك ، وتوقعت أن يقع في نفس الفخ الذي وقع فيه كثيرون قبله من المخلصين الذين كانوا يظنون أنهم يمكنهم من موقع الحزب الحاكم تقديم خدمات وتحقيق إنجازات. لكن هلال لم يلتـفت إلى أن وجوده في باريس ، بعيدا عن المناخ المسموم المحيط بنظام فاسد حتى النخاع ، ليس كوجوده في قلب هذا النظام. لقد دمرت حكومات مبارك خلال ربع القرن الماضي جامعات مصر تعليميا وبحثيا وأخلاقيا. وهاني هلال يعرف كيف كانت الجامعة ونحن طلبة منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود وكيف أصبحت. ومع ذلك يعتـقد أنه يستطيع ــ وهو يعمل ضمن هذه المنظومة الفاسدة ــ أن يصلح في أعوام قليلة ما جرى من تخريب خلال ربع قرن.
واقع الحال هو أن الله لا يصلح عمل المفسدين وأن فاقد الشئ لايعطيه ، وأنه لو كان هناك ولو القليل من الإيمان والتـقوى لدى قيادات هذا البلد لما نزعت البركة ، وأنه لايوجد ما يدلل على ذلك مثل الزج بخيرة مواطني مصر من أساتذة وأطباء ومهندسين في المعتـقلات. إن إعتـقال عصام حشيش وإخوانه هو عار لمصر وإستدعاء لسخط الله وغضبه ، وكم كنت أتمنى أن أرى هاني هلال مشاركا لزملائه في كلية الهندسة والجامعة في وقفاتهم الإحتجاجية على ما جرى لزميله. لن أتحدث عن أحمد نظيف ، وهو زميل حشيش في نفس القسم ، فأنا لا أعرفه. وإنما أتحدث عن هلال الذي أعرفه وأتمنى أن يكون ولاؤه لزملائه وللقيم الإنسانية أقوى من أي ولاء آخر، وأن يكون مشروع القانون الذي هو بصدد إصداره معبرا عن مصالح زملائه وليس عن أهواء لجنة السياسات ، وأن تكون اللائحة الطلابية الجديدة معبرة عن مصالح الطلبة وليس عن أهواء ضباط جهاز البوليس السياسي المعروف بأمن الدولة . أما أن يجري تخريب القانون واللائحة تحت عنوان الإصلاح كما جرى للدستور ، فسيكون ذلك أكبر ظلم يوقعه هاني هلال بنفسه.
نحن الآن تحت الصفر في الجامعة وفي كل شئ ، حتى أصبحنا دولة لا قيمة لها إقليميا ودوليا إلا بقدر من نقدمه من خدمات لأميركا وإسرائيل. ولن نصعد إلى الصفر إلا بزوال حكم مبارك ووريثه وتحرير مصر من قبضة أدوات أميركا وإسرائيل وتحرير الجامعة من جهاز أمن الدولة والمجئ بقيادة شعبية منتخبة تشرف على وضع دستور نقي وإجراء إنتخابات نزيهة. عندئذ فقط يمكننا البناء من الصفر وإصلاح ما إرتكبته الأيادي الآثمة من تخريبات دستورية وتشريعية وأخلاقية.
د. صلاح عـز
كنت أنوي الكتابة اليوم عن حسني مبارك وفؤاد السنيورة ، الرئيس "فاقد الشرعية" للحكومة اللبنانية ، كوجهين لعملة واحدة في سوق الظلم والإستكبار. لكني إخترت تأجيل هذا الموضوع بعد مطالعتي لصورتي عصام حشيش وهاني هلال (مع حفظ الألقاب) في عدد السبت الماضي (وكل منهما زميل في كلية الهندسة جامعة القاهرة) مع رسالة من الأخت الكريمة زوجة حشيش تشكو فيها ما وقع عليها وعلى أبنائها وأحفادها من ظلم وعدوان.
لقد بدأت معرفتي بعصام حشيش منذ عشرين عاما بعد عودتي من الولايات المتحدة عندما إتصل بي طالبا ترشيح نفسي على قائمة التيار الإسلامي في إنتخابات نقابة المهندسين ، وبعدها طلب مني ترشيح نفسي لعضوية مجلس إدارة نادي هيئة التدريس في إنتخابات النادي . ومن خلال عضويتي في النقابة والنادي توطدت علاقتي بحشيش وبنخبة كبيرة من الإسلاميين إخوان وغير إخوان. ومن بين كل الصداقات التي كونتها خلال هذين العقدين ، كان حشيش هو دائما الأحب إلى نفسي والأقرب إلى قلبي. وعلى المستوى الإنساني لا أظن أن هناك من لم يتأثر به ، فهو المحبوب من طلابه وزملائه وإخوانه ، وهو السمح البشوش مع مخالفيه والذي لم أراه يوما غاضبا حتى عندما كنت أشكو له تصرفات غير لائقة كنت أراها من بعض (الإخوان) في النقابة. ولذا كنت كلما قرأت خبرا عن إعتـقالات في صفوف الإخوان ، أمر بسرعة على الأسماء خوفا من أن يكون حشيش مدرج في القائمة ، وهو ما جرى أخيرا على خلفية الضوضاء التي إفتعلتها جماعة من الأفاقين في الصحف "القومية" وجدوا فيما جرى من طلبة الإخوان في جامعة الأزهر فرصة للإصطياد في الماء العكر. صحيح أن هناك من أقلقه سلوك الطلبة الأحمق باستعراض مهاراتهم القتالية ، وأعرب عن قلقه بموضوعية ، إلا أن غالبية من تناولوا هذه المسألة رأوا فيها فرصة لضرب عدة عصافير بحجر واحد : تـنفيس أحقادهم ضد الإسلاميين وإرضاء الحاكم ونفاقه وإقصاء أقوى الخصوم السياسيين ، وبالتالي تمهيد الأرض لتوريث سلس. وهؤلاء (جنود فرعون) يتحملون المسئولية الأكبر فيما جرى لحشيش وزملائه المعتـقلين وزوجاتهم وأطفالهم وأحبائهم.
أما هاني هلال ، فلم تكن معرفتي به وثيقة كمعرفتي بحشيش ولكني أعرف عنه سيرته الحسنة وإخلاصه لعمله ، وخدماته التي قدمها للجالية المصرية في فرنسا عندما كان منذ سنوات قليلة ملحقا ثـقافيا بالسفارة المصرية في باريس. ولذا أحسست بالإشفاق عليه عندما علمت بنبأ تعيينه وزيرا في حكومة حزب مبارك ، وتوقعت أن يقع في نفس الفخ الذي وقع فيه كثيرون قبله من المخلصين الذين كانوا يظنون أنهم يمكنهم من موقع الحزب الحاكم تقديم خدمات وتحقيق إنجازات. لكن هلال لم يلتـفت إلى أن وجوده في باريس ، بعيدا عن المناخ المسموم المحيط بنظام فاسد حتى النخاع ، ليس كوجوده في قلب هذا النظام. لقد دمرت حكومات مبارك خلال ربع القرن الماضي جامعات مصر تعليميا وبحثيا وأخلاقيا. وهاني هلال يعرف كيف كانت الجامعة ونحن طلبة منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود وكيف أصبحت. ومع ذلك يعتـقد أنه يستطيع ــ وهو يعمل ضمن هذه المنظومة الفاسدة ــ أن يصلح في أعوام قليلة ما جرى من تخريب خلال ربع قرن.
واقع الحال هو أن الله لا يصلح عمل المفسدين وأن فاقد الشئ لايعطيه ، وأنه لو كان هناك ولو القليل من الإيمان والتـقوى لدى قيادات هذا البلد لما نزعت البركة ، وأنه لايوجد ما يدلل على ذلك مثل الزج بخيرة مواطني مصر من أساتذة وأطباء ومهندسين في المعتـقلات. إن إعتـقال عصام حشيش وإخوانه هو عار لمصر وإستدعاء لسخط الله وغضبه ، وكم كنت أتمنى أن أرى هاني هلال مشاركا لزملائه في كلية الهندسة والجامعة في وقفاتهم الإحتجاجية على ما جرى لزميله. لن أتحدث عن أحمد نظيف ، وهو زميل حشيش في نفس القسم ، فأنا لا أعرفه. وإنما أتحدث عن هلال الذي أعرفه وأتمنى أن يكون ولاؤه لزملائه وللقيم الإنسانية أقوى من أي ولاء آخر، وأن يكون مشروع القانون الذي هو بصدد إصداره معبرا عن مصالح زملائه وليس عن أهواء لجنة السياسات ، وأن تكون اللائحة الطلابية الجديدة معبرة عن مصالح الطلبة وليس عن أهواء ضباط جهاز البوليس السياسي المعروف بأمن الدولة . أما أن يجري تخريب القانون واللائحة تحت عنوان الإصلاح كما جرى للدستور ، فسيكون ذلك أكبر ظلم يوقعه هاني هلال بنفسه.
نحن الآن تحت الصفر في الجامعة وفي كل شئ ، حتى أصبحنا دولة لا قيمة لها إقليميا ودوليا إلا بقدر من نقدمه من خدمات لأميركا وإسرائيل. ولن نصعد إلى الصفر إلا بزوال حكم مبارك ووريثه وتحرير مصر من قبضة أدوات أميركا وإسرائيل وتحرير الجامعة من جهاز أمن الدولة والمجئ بقيادة شعبية منتخبة تشرف على وضع دستور نقي وإجراء إنتخابات نزيهة. عندئذ فقط يمكننا البناء من الصفر وإصلاح ما إرتكبته الأيادي الآثمة من تخريبات دستورية وتشريعية وأخلاقية.
No comments:
Post a Comment