قال تعالى :الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

Saturday, May 31, 2008

صبرًا آل ياسر.. فإن موعدكم الجنة

بقلم: د. عصام حشيش

حينما اشتدَّ العذاب بالمسلمين في مكة، وزادت وطأته عليهم؛ ذهب خباب بن الأرت رضي الله عنه إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكان مستندًا إلى جدار الكعبة، وقال له: يا رسول الله.. ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا، وكأنه أراد أن يقول إن الأمر في مكة قد بدا فوق الاحتمال، وأن المسلمين يتعرَّضون لما لا يطيقون، رغم صبرهم وثباتهم، ولربما كانت الإجابة المتوقَّعة من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن يدعوَ لهم فعلاً، أو أن يلاطف خبابًا ويواسيَه..

ولكن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم سلك مسلكًا تربويًّا فريدًا؛ ليشدَّ من أزر المسلمين به ويهيئهم لمزيد من التضحيات في سبيل الله، ويفتح لهم أبواب الأمل في مستقبل أفضل ونصر قريب، فأخبر خباب بأنه قد كان يؤتى بالرجل من قبلهم، فيوضع في حفرة، ثم يشقُّ جسده، ما يصرفه ذلك عن دينه شيئًا، ثم أقسم أن الله سبحانه وتعالى سيتم هذا الأمر، وأن الإيمان سوف ينتشر، حتى إن الراكب يسير من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه.

وكان حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في هذه الرواية ينقسم إلى قسمين؛ القسم الأول وهو الأهم يتعلق بالثبات على طريق الدعوة، رغم المحن التي تلحق بالسائرين فيه، وما يترتب على هذا الثبات من ثواب جزيل ونعيم مقيم، والأمر الثاني وهو متعلق بما بشَّر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أصحابَه من نبأ النصر، وغلبة الإيمان، وتمكُّن الحق، وانحدار الباطل وانحساره، وقد صدرت هذه البشارة، للغرابة الشديدة، في ظروف كان المسلمون يلاقون فيها أشدَّ أنواع الابتلاء والاضطهاد؛ بحيث إن الحديث عن التمكين في هذا الوقت بالذات يبدو غريبًا، ولكنها بشارة صادرة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى أبدًا، والذي يبلِّغ وحي الله ورسالة السماء، ولم تنقضِ فترة طويلة حتى تحقَّقت تلك البشارة، وارتفعت راية الإسلام خفَّاقةً في شبه الجزيرة العربية، وأصبح الإيمان مستقرًّا في قلوب أهلها.

ونحن إذ نتناول هذه المحنة التي مرَّت علينا، والظلم الذي حاق بنا؛ فإنه وإن كان كل ما تعرَّضنا له من صنوف البطش والاستبداد، وإن كان فراقنا لأهلنا وأحبابنا سيئًا وصعبً، وإن كان ما لحق بنا من خسائر مادية فادحًا.. إلا أن هذا كله لم يكن لسبب سوى أننا نقول ربنا الله، لم يكن السبب أننا نذرنا أنفسنا أن نقف أمام الفساد منادين بالإصلاح، ولم يكن لسبب سوى أننا ابتغينا مرضاة الله سبحانه وتعالى فيما نفعل، وإن تحقق ذلك بسخط من يسخط وغضب من يغضب؛ ولهذا فإننا قد احتسبنا ذلك كله عند الله، واحتسبه معنا أهلنا؛ يقينًا منا بأنَّ ما عند الله هو خير وأبقى..

هان كل هذا في سبيل الله سبحانه وتعالى..

هان كل هذا بقوة الإيمان التي أودعها الله سبحانه وتعالى فينا..

هان كل هذا بصدق اليقين الذي تغلغل في وجداننا..

هان كل هذا أمام ما نرجوه يوم القيامة من أجر وثواب..

هان كل هذا أمام ما ينتظر هؤلاء الظالمين من سوء الحساب وشدة العذاب، فهناك يوم القيامة..

هان كل هذا ونحن نتخيَّل بعضًا من مشاهد يوم القيامة وكأنها حقيقة ماثلة أمام أعيننا..
تذكرت مشاهد يوم القيامة كأنها تتتابع أمامي لحظةً بلحظة، وتذكرت وصف الله سبحانه وتعالى لهذا اليوم بأنه ﴿شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾ (الحج).

وتذكَّرت حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ورجوت أن نكون من هؤلاء السبعة، وتساءلت عن مواقف هؤلاء الظالمين في هذا اليوم وحده، كيف يكون حالهم؟ وكيف يكون حسابهم؟ وكيف يرون المظالم التي تعلَّقت بهم لنا ولغيرنا؛ من أعراض وحريات وأموال؟ كيف يلقون الله سبحانه وتعالى بهذه المظالم التي تنوءُ بها الجبال؟ وكيف يكون جزاؤهم في ذلك اليوم؟ ونظرت إلى تلك المحنة التي عشناها، والمعاناة التي كابدناها، وتخيَّلت كيف تكون في ميزان حسناتنا؛ بثباتنا وصبرنا واحتسابنا، ولعلها بفضل الله ولطفه سبب في نجاتنا يوم القيامة..

تذكرت حديث الرجل الذي أتته البشارة أثناء وفاته، ورأى ثوابًا لبعض أعماله، وقال يا ليته كان طويلاً، لطريق سلكه في خير، يا ليته كان جديدًا لثوب تصدَّق به، يا ليته كان كاملاً لنصف رغيف أعطاه سائلاً.

1 comment:

نادي حواء said...

شكرا علي المجهود